تتمة..


(


إذا دكت الأرض دكّا دكّا
) أي حركت حركة شديدة و زلزلت زلزالا قويا , و سويت الأرض و الجبال , فلم يبقى عليها شاخص البتّة .

( و جاء ربك

) لفصل القضاء بين خلقه , و ذلك بعدما يستشفعون إليه بسيد ولد آدم على
الإطلاق محمد صلى الله عليه و سلم , بعدما يسألون أولي العزم من الرسل
واحدا بعد واحد , فكلهم يقول : لست بصاحب ذاكم , حتى تنتهي النوبة إلى محمد
صلى الله عليه و سلم فيقول : " أنا لها , أنا لها " فيذهب فيشفع عند الله
في أن يأتي لفصل القضاء فيشفعه الله في ذلك , و هي أول الشفاعات , و هي
المقام المحمود , فيجيء الرب تعالى لفصل القضاء كما يشاء .

( و الملك صفا صفا

) و تجيء الملائكة الكرام , أهل السماوات كلهم , صفا بعد صف , كل سماء
يجيء ملائكتها صفا , يحيطون بمن دونهم من الخلق , و هذه الصفوف صفوف خضوع و
ذل للملك الجبار .

( و جيء يومئذ بجهنم ) تقودها الملائكة بالسلاسل , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " يُؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام , مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " . رواه مسلم
.

( يومئذ يتذكر الإنسان
) ما قدمه من خير و شر .

( و أنّى له الذكرى
) أي : و كيف تنفعه الذكرى ؟ فقد فات أوانها , و ذهب زمانها .

ثم يقول متحسرا على ما فرط في جنب الله ( ياليتني قدمت لحياتي
) يعني : يندم على ما كان سلف منه من المعاصي – إن كان عاصيا – و يود لو
كان ازداد من الطاعات – إن كان طائعا – كما روى الإمام أحمد بن حنبل عن
محمد بن أبي عَميرة – و كان من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم – قال : " لو
أن عبدًا خر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرمًا في طاعة الله ,
لََحَقِرَهُ يوم القيامة , و لودَّ أنه يُردَّ إلى الدنيا كيْما يزداد من
الأجر و الثواب " . إسناده صحيح
.
و في الآية دليل على أن الحياة التي ينبغي السعي في أصلها و كمالها , و في
تتميم لذَّتها , هي الحياة في دار القرار , فإنها دار الخلد و البقاء .

( فيومئذ لا يعذب عذابه أحد
) أي : ليس أحد أشد عذابا من تعذيب الله من عصاه .

( و لا يوثق وثاقه أحد

) أي : و ليس أحد أشد قبضا ووثقا من الزبانية لمن كفر بربهم , عز و جل ,
فإنهم يقرنون بسلاسل من نار , و يسحبون على وجوههم في الحميم , ثم في النار
يسجرون , فهذا جزاء المجرمين من الخلائق الظالمين .

و أما من اطمأن إلى الله و آمن به و صدق رسله , فيقال له :
( يا أيتها النفس المطمئنة

) إلى صادق وعد الله ووعيده في كتابه و على لسان رسوله فآمنت و اتقت و
تخلت عن الشرك و الشر فكانت مطمئنة بالإيمان و ذكر الله قريرة العين بحب
الله و رسوله و ما وعدها الرحمن .

( إرجعي إلى ربك
) إلى جواره و ثوابه و ما أعد لعباده في جنته .

( راضية مرضية
) راضية عن الله , و عن ما أكرمها به من الثواب , و الله قد رضي عنها .

( فادخلي في عبادي
) أي في جملة عبادي الصالحين الذين لا خوف عليهم و لا هم يحزنون .

(

و ادخلي جنتي ) و
هذا يقال لها عند الإحتضار , و في يوم القيامة , كما أن الملائكة يبشرون
المؤمن عند احتضاره و عند قيامه من قبره , و كذلك ها هنا
.